الأمان الضائع في النقل العام
“فتيات يمنيات يتعرضن للإختطاف في الباصات ”
تحقيق: سهير عبدالجبار
في ثالث أيامها في كلية الطب بجامعة صنعاء، ومن أمام منزلها في الستين الجنوبي، انطلقت هند صباحًا إلى الجامعة، ركبت الباص الذي كان يمتلئ بالركاب ما بين طلاب وموظفين، شيئًا فشيئًا بدأ الركاب ينزلون من الباص واحدًا تلو الآخر، كلٌّ إلى وجهته، إلى أن نزل آخر راكب، لتبقى هند وحيدةً في الباص على أمل الوصول إلى جامعتها.
تقول هند: “بعد أن بقيت وحدي في الباص، بدأ السائق يسوق بسرعة كبيرة دون أن يتوقف للركاب الذين يأشرون له، يسرع لكي يصعدوا معه، لاحظت ذلك وتوترت، فطلبت منه أن يتوقف، فكان يتمتم بكلمات غير واضحة إلَّا أنني فهمت أنه كان يعرض علي أن أذهب معه، كررت طلبي بالنزول لكنه لم يتوقف، خيرته إما أن يتوقف أو أنزل فزاد سرعته، حاولت أن أخيفه أنني سأرمي نفسي، وعندما رأى محاولاتي قرب الباص من الرصيف وعندما لاحظ تكرار محاولتي زاد السرعة ورجع إلى منتصف الطريق، فعرفت أنه لا حل إلا بالقفز”.
قفزت هند من الباص وسقطت بقوة إلى الرصيف والدم يملأ قدميها ومعصميها بعد أن حاولت أن تحمي وجهها بالكتب لكي لا يتعرض للإصابات أو التشوهات. تقول هند: “كل المارة الذين رأوها تسقط لم يتوقفوا لها ويساعدونها حتى رجل المرور الذي كان قريبًا من مكان الحادثة ويسألها مابها، ظلت هند في مكانها عشرة دقائق لتلتقط أنفاسها ودون شعور استقلت باصًا آخر للذهاب إلى الجامعة القريبة منها لتتصل بأهلها وتخبرهم بالحادثة”.
قانون مروري غير مفعل
قامت هند بالإبلاغ عن الحادثة للشرطة، حيث قامت بأخذ رقم الباص، وبعد محاولات مضنية من البحث وجدت نفس الباص بنفس الرقم والتفاصيل الأخرى، لكن السائق كان مختلفًا عن الشخص الذي كان يقود الباص أثناء محاولة الاختطاف، وذهبت بمعية والدها إلى المرور الذين قالوا لهم أن السائق كان في تلك الفترة في قريته ولم يكون هو الذي يقود الباص.
يشترط في السائق وفقًا لقانون المرور رقم 46 الصادر عام 1991م، أن يكون حسن السيرة والسلوك وذا سجل خالٍ من الجنايات، وأن يملك أوراقًا كاملةً عن المركبة التي يمتلكها، وأن يقوم بتفويض للشخص الذي يستأجر منه سيارته ويلتزم بذلك في كرت السيارة، وأن يكون الشخص المفوض مستوفيًا لنفس الشروط، كذلك هذا ما بينه العقيد سليم ناشر المسؤول الإعلامي للمرور .
هند واحدة من عشرات الفتيات اللواتي تعرضن لمحاولات خطف في وسائل النقل العامة التي تعتبر غير آمنة إلى حد كبير؛ لأسباب كثيرة منها عدم الرقابة الحكومية على وسائل النقل العامة، حتى بعد توفر كاميرات المراقبة بالطرقات والشوارع مازالت هذه الجرائم منتشرة بسبب وجود سيارات غير مرقمة أو مسجلة بأرقام غير يمنية يصعب تسجيل أرقامها في حال تعرضت فتاة لمحاولات اختطاف، حيث تنتشر الدبابات “سيارات الأجرة التي تكفي سبعة أشخاص” والباصات “سيارات الأجرة لأكثر من 15 راكبًا” غير مرقمة أو التي تحمل أرقامًا خارجية بشكل واسع، وتقوم بتحميل الركاب إلى طرق غير الخط المقرر لها، فأحيانا يقوم السائق بمواصلة مشواره لأكثر من نقطة، وأحيانًا يقوم بتحميل مشاوير خاصة.
وفي ديسمبر 2019م، أوضحت تقديرات المنظمة اليمنية لمكافحة الاتجار بالبشر (غير حكومية) وقوع 200 حالة اختطاف واختفاء للنساء خلال عامي 2018م و2019م، بعضها جرت بسيارات لا تحمل أرقامًا مرورية تعمل في المناطق التي تحت سيطرة ما يسمى بحكومة الإنقاذ (المسيطر عليها من قبل الحوثيين)، حسب توضيح رئيس المنظمة نبيل فاضل، الذي يعيش لاجئًا خارج اليمن منذ منتصف عام 2018م.
في يوليو 2022 توفيت رباب بدير والتي تعرف قصتها ب” فتاة يريم ” حيث عرض عليها سائق الباص الذي كانت معه أن تأتي معه قبل أن يغير طريقه , حيث رمت رباب بنفسها دون التفكير بعواقب اختيارها الذي أدى إلى وفاتها , فر سائق الباص زيد الرياشي , إلا أن حظ رباب أن كاميرات المراقبة في المكان وثقت تلك اللحظة الأخيرة لها وهروب زيد الذي كان يحمل سجلا امنيا لدى سلطات الأمن هناك , لاحقا القي القبض على زيد وحكم عليه بدية القتل الخطأ مليون و600 الف ريال يمني ما يعادل 3000 دولار والسجن ثلاث سنوات يقضيها الآن في سجن إب المركزي.
العقيد أمين نعمان، يرى أن: “عشوائية حركة المرور السبب الأول في زيادة نسبة حوادث الاختطافات، ويؤكد العقيد نعمان خطورة وجود مركبات غير مرقمة كونها غير مرتبطة بأية بيانات عن مالكيها في إدارات المرور ويصعب الوصول لهم في حال تسببت بحوادث تؤدي إلى إزهاق الأرواح أو الإضرار بالناس أو ممتلكاتهم، وهو ما ينتج عنه زيادة في محاولات اختطاف الفتيات أو التحرش بهن، وكذلك تساعد على انتشار عمليات النصب والاحتيال على الآخرين كونها قد تكون سيارات مسروقة أو منهوبة”. من جهته يقول أسامة الشرعبي، رئيس الدائرة الاعلامية في محافظة تعز: “إن المسمى الحقيقي لهذه القضايا ليست اختطاف وإنما حالات اختفاء أو هروب، في حال لم تعد الفتاة لعدم وجود أدله كافية على حادثة الاختطاف”.
الفتيات الصغيرات هن الهدف
في استبيان أطلقته معدة التحقيق استهدف 50 فتاة من عددٍ من المحافظات اليمنية، أكثرهن أوضحن أنهن يتعرضن لمحاولة الاختطاف، وكانت أعمارهن صغيرة. وكشف الاستبيان أن المختطفين يستهدفون الفتيات الصغيرات من طالبات الصفوف العليا بالمدارس أو الجامعات؛ إما لقلة ثقتهن بأنفسهن، أو لضعفهن البدني، حيث أشارت الدراسة إلى أن 60% من الفتيات التي تعرضن لمثل هذه الجريمة لم تتجاوز أعمارهن 22 عامًا.
ترى الباحثة في حقوق المرأة والمجتمع عبير الأمير: “أن أسوأ الاحتمالات التي قد تؤثر على حياة الفتيات بعد تعرضهن لمثل هذه الحوادث أو حتى لفتيات من محيطهن في اليمن، هي مواجهة الأهل مخاوف حقيقية ومشاعر قلق بشأن سلامة بناتهم ونسائهم عند التعامل مع وسائل المواصلات منها الاختطاف والتحرش في المواصلات التي تشكل تأثيرًا سلبيًّا على حقوق الفتيات في التعليم والعمل، منها الانقطاع عن التعليم إذا كانت الفتيات تعترضهن مخاوف من الاختطاف والتحرش أثناء استخدام وسائل المواصلات، قد يترددن في الذهاب إلى المدرسة أو الجامعة”.
وتضيف: “إن تعرض الفتيات لمثل هذه التجارب السلبية مثل التحرش ومحاولات الاختطاف في وسائل المواصلات قد ينعكس على أدائهن التعليمي، وقد يشعرن بالقلق والتوتر، وبالتالي يتأثر تركيزهن ومستوى تحصيلهن الدراسي,، إضافةً إلى الخوف الذي يتسلل بشكل دائم من السفر أو الذهاب إلى الأماكن العامة وهذا بطبيعة الحال سيؤدي إلى القلق وضعف الثقة بالنفس .
ومن أجل تجنب ذلك تقول الأمير: “يجب تبني إجراءات وسياسات فعالة لتعزيز السلامة والأمان في وسائل المواصلات في اليمن. ويجب أيضًا توفير بيئة آمنة وداعمة للفتيات تشجعهن على متابعة تعليمهن والانخراط في سوق العمل بثقة وأمان.
وأظهر الاستطلاع الذي قامت به معدة التحقيق أن 35% من أهالي الفتيات في اليمن تتخوف من استخدام وسائل المواصلات العامة، وتضطر أن تتحمل ميزانية مضاعفة لتوفير مواصلات آمنة وخاصة، بينما 65% ممن شملهم الاستبيان تفضل أن تتعامل مع المواصلات العام بحذر لأسباب مالية واقتصادية. أمة الله الحمادي واحدة ممن شاركن في الاستبيان قالت: “إن إرتفاع نسبة مثل هذه الحوادث كان سبباً رئيسيًّا للفتيات لأن يأخذن نهج القوة وتحفيز أهلنا لنا في تعلم وسائل للدفاع عن أنفسنا، وأخذ احتياطات لمثل هذه الحوادث، أهمها بناء الثقة بانفسنا، وهو ما تشير له الكابتن سهام عامر، مدربة فنون قتال بأن الأهالي تقبل على تعليم فتياتها الصغار الدفاع عن النفس لكن الإقبال أكبر من قبل الفتيات الكبار للتعلم، يأتي أغلبهن بعد أن تعرضن لحادث كان يحتاج للشجاعة والمقاومة.
فتيات قد لا تعود
من خلال الحديث مع العديد من الفتيات اللواتي تعرضن لمثل هذه الحوادث أثناء العمل على التحقيق إضافة إلى ممن شاركن في الاستبيان، لم نجد فتاةً خرجت من هذه التجربة سليمة نفسيًّا أو جسديًّا، إضافةً إلى عدم خوض أهالي تلك الفتيات عن الحادثة التي تعرضن خوفًا من العار والعيب والشائعات التي قد تلاحق بناتهن في الحاضر والمستقبل.
بثينة السمة، طالبة في جامعة صنعاء، هي أحد ضحايا محاولات الاختطاف، حيث ألقت بنفسها من الباص الذي كان يقلها إلى منزلها وكان بجانبها أربعة ركاب ذكور في الرابع من سبتمبر 2023م، وظلت مرمية لوقت طويل إلى أن أسعفت وتوفت بعدها بأيام بسبب إصابات بالغة في رأسها ورقبتها. لاحقًا تم القبض على سائق الباص ومن معه لكن تم الإفراج عن المحتجزين بعدها مباشرة بسبب عدم كفاية الأدلة إن كانت بثينة تعرضت لمحاولة اختطاف لتموت القضية كما ماتت بثينة.
وليست بثينة وحدها من ترمي بنفسها دون الالتفات لخطر الموت حيث أظهر الاستبيان أن هناك 10% من الفتيات مستعدات لأن يرمين أنفسهن في حال تعرضن لمحاولات اختطاف أو تحرش حتى لو كان الثمن حياتهن.
(تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع غرفة اخبار الجندر اليمنية الذي تنفذه مؤسسة ميديا للإعلام والتنمية)