مرفت الربيعي.
جُبل المجتمع على حب العادات، وكبلته التقاليد، وجاء مفهوم ” المجتمع الذكوري ” ليسهم في إظهار الرجل معتليًا هرم السلطة الذكورية مما أحدث فجوة كبيرة بين الرجل والمرأة وأصبحت فيه المرأة اسيرة لهيمنة الذكورية الطاغية، حتى أضحى المجتمع لا يتقبل الذكورية الإيجابية، نتيجة تلك القيود التي رسختها الأعراف في عقول الكثير من ابناء المجتمع ، وباتت سائدة والخروج عنها بمثابة التعري، إذ يجعلهم أقل شأنًا في المجتمع ، و ينتقص من رجولتهم التي ينبغي أن تكون مليئة بالتسلط على المرأة .
أن تحقيق نظرة المساواة وتمكين المرأة متعارض مع ما يؤمن به هذا المجتمع ديناً أو عرفاً ، وقد طال الكثير من المناديين بحرية المرأة الاتهام بالدعوة إلى عادات دخيلة على المجتمع سيما وأن مجتمعنا محافظاً ، ومما زاد ذلك ويلات الحروب وسياسة القمع التي تنتهجها بعض الأحزاب اتجاه المرأة اليمنية لسلبها حريتها، غير أنها تناضل كثيراً للحصول على كامل حقوقها، وتخوض لأجل ذلك معتركاً سياسياً، واجتماعياً، لعلها تظفر ببعض حقوق سلبتها إياها تلك الأعراف والتقاليد وإن نالها الكثير، بيد أن الرجل اليمني ينال أضعافها، نتيجة لدعمه للمرأة ومساندته لها .
ويحاول العديد من الرجال اليمنيين تغيير هذه المفاهيم التي اكتسبها المجتمع نتيجة تلك العادات الموروثة على مر السنين، ودعم المرأة لنيل حقوقها المشروعة وخلق مجتمع متكافىء الفرص يسوده المساواة بين الجنسين، ورغم تلك القيود استطاع الكثير من الرجال فرض سلوكياتهم الإيجابية محرزين بذلك تقدماً ملحوظاً في تغيير المجمتع فيما اصطدم آخرون نتيجة الانتقادات وعزفوا عن فرض السلوكيات الإيجابية التي تدعم المرأة وتجعل الرجل يقف ضد العنف ضد النساء والفتيات والدعوة للمساواة بين الجنسين والتي تعرف “بالذكورة الإيجابية” .
وبحسب الأمم المتحدة فإن”الذكورة الإيجابية نهج مبتكر يُشرك الرجال، ويجعلهم حلفاء في الجهود المبذولة لتعزيز المساواة بين الجنسين ومنع العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي ” .
وبعبارة أوضح، فإن الذكورة الإيجابية تعني مجموعة من السلوكيات التي يقوم بها الرجل والتي تعزز من المساواة بين الجنسين .
فيما يصفها الرائد كاكولي كابيتو جان ماري_ جمهورية الكونغو الديمقراطية_ ” بأنها مجموعة من السلوكيات التي يمارسها الرجال الذين يقفون ضد العنف ضد النساء والفتيات، ويعد الرجل المؤيد للمساواة بين الجنسين نموذجًا يحتذى به، ورجل مرجع، ومروج للمساواة بين الجنسين، وممارس للذكورة الإيجابية ” .
ولخص كاكولي تجربته بعد تلقيه ورشة عمل للتوعية من قبل بعثة منظمة الأمم المتحدة لحفظ السلام لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية، بتغير عقليته، والموازنة بين الأنا الذكورية ومناصرته للمساواة بين الجنسين في العمل وفي مجتمعه والمنزل مع عائلته .
وبالنظر إلى مجتمعنا اليمني نجد هناك نماذج كثيرة للذكورة الإيجابية تؤدي أدوارًا إيجابية وإن كانت بنسبة قليلة، فيما يصطدم البعض بالمجتمع الذي لا يتقبل هذه الأدوار ، فنجد التنمر على الرجل الذي يساعد زوجته أو أمه في المنزل من قبل أصدقائه، و محيطه ، كذلك التنشئة الخاطئة وذلك بإعطاء الذكر المهام والسلطة في إدارة زمام الأمور ، وحرمان الفتيات وإقصائهن من جميع حقوقهن .
وعلى الرغم من ذلك إلا أن بعض المناطق في اليمن استطاعت تجاوز ذلك وكسرت القيود بمساعدة ذويها من الرجال ، ففي بعض أرياف محافظة لحج والتي تحرم الفتيات من الحصول على حقها في التعليم استطاعت بعض الفتيات تجاوز ذلك بمساعدة ابائهن إذ دفعن بهن للتعليم، والعمل جنباً إلى جنب مع اخيها الرجل .
فكثيرة هي أحلام الفتيات التي تصلبها عادات المجتمع إن لم تجد من يساندها لتحلق عالياً مثلما هو حال سميرة والتي كانت تنسج احلامها ويراودها شعور بأنها سوف تجتاز العرف المجتمعي الذي حكم على أحلام الأخريات بالفناء ذلك أن سميرة وجدت الدعم والمساندة من قبل والدها، لتكمل تعليمها الجامعي، وتعمل ممرضة وتقدم خدمة صحية لابناء قريتها .
وهناك الكثير من نماذج الذكورة الإيجابية أمثال والد سميرة من يسطرون أنبل معاني الرجولة المتمثلة بالمواقف المشرفة والأخلاق العالية، ومساندة المرأة والأخذ بيدها وتمكينها لنيل كافة حقوقها المشروعة، وخلق فرص متكافئة تحقق المساواة بين الجنسين، وبناء مجتمع متماسك يسوده الاحترام .
إن تحقيق ذلك يتطلب منا فتح مكاتب للإرشاد الاجتماعي و توعية المجتمع حول الذكورية الإيجابية وانعكاس ثمارها على المجتمع ككل .
وكسر عادات وتقاليد مجتمعاتنا والتي تشكل حاجزًا للكثيرين لادامة الذكورة التسلطية، واخفاء الذكورة الإيجابية خوفاً من الانتقاص للممارسين لها ويجب على النساء تعزيز إظهار الصفات الذكورية الإيجابية لتشجيع الرجل على مساندتها وتقديم العون لها دون الخوف من المجتمع وعاداته وتقاليده، وخلق نموذج ذكوري يقنع الآخرين من خلال سلوكه بتعزيز المساواة بين الجنسين وزيادة الوعي حول فوائد استيعاب الذكورة الإيجابية .